الإمام ناصر محمد اليماني
18 - 09 - 1431 هـ
28 - 08 - 2010 مـ
05:36 صباحاً
_______________
أولئك لا ينالهم الفزع الأكبر يوم يُلقي الله بالسؤال إلى الناس جميعاً عن النعيم الذي يوجد فيه سرّ الحكمة من خلقهم ..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على جدّي محمد رسول الله وآله الأطهار والسابقين الأنصار للحقّ إلى يوم الدين..
وروى عمر بن الخطاب عن النبيّ صلى الله -عليه وسلّم الله عليه وسلّم- أنّه قال: [إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة لمكانهم من الله عز وجل قالوا يا رسول الله من هم وما أعمالهم لعلنا نحبهم قال هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها فوالله إن وجوههم لنور وإنهم لعلى منابر من نور لا يخافون إذا خاف الناس].
عن أبي هريرة قال، قال رسول الله صلى الله الرحمن عليه وسلم: [إن من العباد عباداً يغبطهم الأنبياء والشهداء قال من هم يا رسول الله قال هم قوم تحابوا بروح الله على غير أموال ولا أنساب وجوههم نور يعني على منابر من نور لا يخافون إن خاف الناس ولا يحزنون إن حزن الناس].
حدثنا زهير بن حرب وعثمان بن أبي شيبة، قالا: ثنا جرير، عن عمارة ابن القعقاع، عن أبى زرعة بن عمرو بن جرير، أن عمر بن الخطاب قال:قال النَّبيّ صلى الله عليه وسلم: [إن من عباد الله لأناساً ما هم بأنبياء ولا شهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة بمكانهم من الله تعالى]، قالوا: يا رسول الله، تخبرنا من هم، قال: [هم قوم تحابوا بروح الله على غير أرحام بينهم ولا أموال يتعاطونها، فوالله إن وجوههم لنور، وإنهم على نور، لا يخافون إذا خاف الناس، ولا يحزنون إذا حزن الناس] صدق محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
أولئك لا ينالهم الفزع الأكبر يوم يُلقي الله بالسؤال إلى الناس جميعاً عن النعيم الذي يوجد فيه سرّ الحكمة من خلقهم، تصديقاً لقول الله تعالى:{لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ ﴿٨﴾} صدق الله العظيم [التكاثر].
تصديقاً لقول الله تعالى: {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ ﴿٦﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].
ثم يلقي الله بالسؤال: فهل أبلغوكم برسالات ربّكم وقصّوا عليكم آياته؟ وقال الله تعالى: {يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَـٰذَا ۚ قَالُوا شَهِدْنَا عَلَىٰ أَنفُسِنَا ۖوَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ ﴿١٣٠﴾} صدق الله العظيم [الأنعام].
وأما السؤال الذي سوف يوجَّهُ إلى المرسَلين فسوف يقول الله تعالى لرسله: وهل دعوتم الناس أن يعبدوا النّعيم الأعظم؟ وبما إنّ كافة الأنبياء والمرسَلين لا يعلمون ما يقصد الله (بالنّعيم الأعظم) بل حتى الملائكة المُقرّبين لا يعلمون ما يقصد الله بالنّعيم الأعظم! وهنا يحدث الفزع الأكبر لكافّة من كان في السماوات والأرض من الملائكة والجنّ والإنس إلا الذي دعا إلى عبادة النّعيم الأعظم برغم أنَّ الأنبياء والمرسَلين كذلك دعوا الناس إلى عبادة النّعيم الأعظم، وذلك لأنّ النّعيم الأعظم هو الله سبحانه وتعالى، غير إنَّ سبب فزعهم هو أنّهم لم يعلموا بالمقصود من سؤال الله إليهم هل دعوا الناس إلى عبادة النّعيم الأعظم لكونه لا يعلم بحقيقة اسم الله الأعظم جميعُ الأنبياء والمرسَلين ولذلك لن يحزنهم الفزع الأكبر الذي يشمل من كان في السماوات والأرض لكون الأنبياء دعوا الناس إلى عبادة الله وحده لا شريك له ولم يكونوا يعلمون أنَّ النّعيم الأعظم هو اسم من أسماءِ الله ربّ العالمين، ولذلك فنتيجة الفزع الأكبر هي إيجابيةٌ عليهم، ولذلك لن يحزنهم الفزع الأكبر.
ولكن الذي يدعو الناس إلى عبادة النّعيم الأعظم هو الإمام المهدي، ولذلك خلقهم إلى ما دعاهم إلى عبادته الإمام المهدي ثم يحقّق الهدف من خلقهم فيهدي الله به مَن في الأرض جميعاً، تصديقاً لقول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿١١٨﴾إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ ۗ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ﴿١١٩﴾} صدق الله العظيم [هود].
ويا رجل، إنَّ الإمام المهديّ لا يقول في جدّه محمد رسول الله إلا خيراً، وأما بالنسبة لحقيقة اسم الله الأعظم فلم يُحِطْ به لا هو ولا كافة الأنبياء والمرسَلين ولذلك لم يُقدِّر اللهُ تحقيق الهدف من الخلق في عصرهم، ولن يستطيع من في السماوات والأرض أن يُعرّف لكم حقيقة اسم الله الأعظم لا من الملائكة والجنّ والإنس ولا كافة رسل الله من الجنّ والإنس لأنّهم لا يحيطون به علماً، وأما سبب فزعهم هو حين تلقّوا السؤال من ربّهم: هل دعوتم الناس إلى عبادة النّعيم الأعظم؟ فلم يدركوا بادئ الأمر أنّ ذلك هو اسم الله الأعظم الذي تكمن فيه الحكمة من خلق عبيد الله جميعاً وهو اسم من أسماء الله الحسنى، وإنّما يوصف بالأعظم لأنّه صفة رضوان الرحمن على عباده أنّه أكبر من نعيم الجنة، تصديقاً لقول الله تعالى: {وَعَدَ اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّـهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٧٢﴾} [التوبة].
فاتَّقِ الله أخي الكريم ولا تسعى لفتنة الذين لم يعلموا بعد علم اليقين بحقيقة اسم الله الأعظم، وأمّا الذين علموا بحقيقة اسم الله الأعظم من أنصار المهديّ المنتظَر فتالله لا يستطيع فتنتهم مَن في السماء ومن في الأرض، وهل تدري لماذا؟ وذلك لأنّهم علِموا بهذه الحقيقة في أنفسهم وهي الآية الكُبرى لديهم التي جعلتهم يوقنون أنَّ ناصر محمد اليماني هو حقاً المهديّ المنتظَر الذي يدعو إلى عبادة النّعيم الأعظم حتى يكون رضوان الله غايةً وليس وسيلةً لأنّ في ذلك سرّ الحكمة من خلقهم، تصديقاً لقول الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴿٥٦﴾} صدق الله العظيم [الذاريات]، ولكن بسبب فتنة المبالغة في أنبياء الله ورسله لن تدركوا حقيقة اسم الله الأعظم.
ولسوف أوجّه إليك سؤالي يا من تقول إنّي لم أعِ ما أقول، فهل ترى أنّه يحقّ لك أن تُنافس محمداً رسولَ الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - في حبّ الله وقربه؟ وننتظر منك الإجابة على هذا السؤال، وسلامٌ على المُرسَلين والحمدُ للهِ ربِّ العالمين ..
وأما بالنسبة لاستغرابك من فتوى ناصر محمد اليماني أنّه سوف يدعو ثبوراً لو لم يحقّق الله له النّعيم الأعظم! ومن ثم جاء الردّ منك بما يلي:ومن ثمّ يردّ عليك الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني وأقول: وتالله لو لم يُحقّق الله لعبده النّعيم الأعظم فإنّني سوف أدعو ثبوراً أكثر منهم بجميع كلمات الحزن والأسى، ولن يرضيني ربّي بالحور العين وجنّات النعيم، ولن يرضيني ربّي بملكوته جميعاً مهما كان ومهما يكون، فلن أقبل به حتى يحقّق لي النّعيم الأعظم من نعيم جنته فيرضى في نفسه، فكيف تريدني أن أرضى بجنات النعيم وربّي حبيبي حزين ومُتحسّر على عباده الذين ظلموا أنفسهم! وقال الله تعالى:{ن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [يس].
ويا سبحان ربّي فلكم دعاء الثبور لدى الكفار والمهديّ المنتظَر مختلفان جداً! فأمّا الكفار فدعاؤهم بالثبور على أنفسهم وهو بسبب أنّهم ظلموا أنفسهم فأدخلهم الله النار، وأمّا المهديّ المنتظَر فهو لو يحرمه الله من تحقيق النّعيم الأعظم وهو أن يكون الله راضياً في نفسه لا متحسّراً ولا حزيناً ولذلك تجد العبد الذي أذِن الله له بالخطاب يحاجّ ربّه أن يرضى في نفسه فإذا رضي في نفسه فهذا يعني أنّها تحقّقت الشفاعة فتأتي من الله أرحم الراحمين فينادي عبده أن يدخل في عباده فيدخلون جنّته أجمعين. وذلك هو البيان الحقّ لقول الله تعالى: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴿٢٧﴾ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ﴿٢٨﴾ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ﴿٢٩﴾ وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴿٣٠﴾} [الفجر].
{حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴿٢٣﴾} صدق الله العظيم [سبأ].
ولن يُدخِل الله عبادَه جنَّتَه فتشفع لهم رحمتُه في نفسه من غضبه حتى يرضى في نفسه، ولذلك تجد العبد الذي أذِن اللهُ له بالخطاب وقال صواباً تجده يُحاجُّ ربَّه أنْ يحقق له النّعيم الأعظم من جنّته ويرضى في نفسه، فإذا تحقّق الرِّضا في نفسه تحقّقَت الشفاعة. وإنَّما الشفاعة أن تشفع رحمته في نفسه من غضبه فلم تتجاوز الشفاعة ذات الله سبحانه، تصديقاً لقول الله تعالى: {قُل لِّلَّـهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا ۖ لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٤٤﴾} صدق الله العظيم [الزمر].
وإنّما عبده الذي أَذِن الله له أن يُخاطب ربّه قال صواباً لأنّه لن يشفع لأحدٍ من عباده، لأنّ الله هو أرحم الراحمين، ولذلك أذِن الله له أن يحاجّ ربه في أن يرضى، فإذا تحقّق الرِّضا تحققت الشفاعة، ولذلك قال الله تعالى: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّـهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم [النجم].
ويا رجل، فبما أنَّ الإمام المهديّ سيدعو ثبوراً أكثر من ثبور الكافرين لو لم يرضَ الله في نفسه ولذلك سوف يهدي الله مَن في الأرض جميعاً رحمة بعبده، تصديقاً لقول الله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ ﴿١١٨﴾ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَ ۚ وَلِذَٰلِكَ خَلَقَهُمْ} صدق الله العظيم [هود:118-119].
وفي ذلك سرّ الإمام المهديّ الذي يعبد رضوان الله غايةً وليس كوسيلةٍ هو ومن اتّبع دعوته قلباً وقالباً من الذين كانوا على شاكلته من الأنصار السابقين الأخيار من زمرته، وهم ليسوا بأنبياء ولا شهداء ولكنّهم يغبطهم الأنبياء والشهداء على قربهم من ربَّهم وحبه لهم، أولئك أحباب الرحمن الذين وعد الله بهم في محكم القرآن، فكيف يرضون بجنّة النَّعيم قبل أن يتحقّق لهم النّعيم الأعظم منها، ولذلك رفعهم الله مكاناً عليّاً في الكتاب فهو أكرم منهم وأرحم، فكن منهم ونافسهم وإمامهم المهدي في حبّ الله وقربه، فلم آمرهم أن يبالغوا في شأني بغير الحقّ حتى ولو كنت خليفة الله في الأرض فإنّ لهم من الحقّ في ربِّهم ما للإمام المهديّ، ومن جعل من الأنصار الله الواحد القهار حصرياً للمهديّ المنتظَر من دونه فيعتقد أنه لا ينبغي له أن ينافس الإمام المهديّ في حبّ الله وقربه فقد أشرك بالله، اللهم قد بلغت اللهم فاشهد.
وبالنسبة لسرِّ هُدى الله للأمّة جميعاً من أجل الإمام المهديّ فهو رحمة بالإمام المهديّ الذي سيدعو ثبوراً لو لم يحقّق الله له النّعيم الأعظم من جنّته، وذلك لأنّ الإمام المهديّ يعبد رضوان الله غايةً وليس كوسيلةٍ ليدخله جنته، وكيف يكون الله راضياً في نفسه؟ وذلك حتى يدخل عباده في رحمته جميعاً رحمة بالإمام المهديّ الذي تستهزئ به ولا تحيط بسرّه وتجهل قدره! اللهم اغفر لهم فإنّهم لا يعلمون.
وسلامٌ على المرسَلين، والحمدُ للهِ ربِّ العالمين ..
خليفة الله وعبده الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني .
_____________
[ لقراءة البيان من الموسوعة ]
https://mahdialumma.net./showthread.php?t=2135
من الإمام المهديّ إلى أحبّتي الأنصار السّابقين الأخيار ..
- 1 -
الإمام ناصر محمد اليماني
28 - 10 - 1431 هـ
07 - 10 - 2010 مـ
06:00 صباحاً
ــــــــــــــــــــــ
من الإمام المهديّ إلى أحبّتي الأنصار السّابقين الأخيار ..
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على النبيّ الأميّ الأمين رحمةً للعالمين محمد رسول الله وعلى آله الأطهار والسابقين الأنصار في الأوّلين وفي الآخرين وفي الملأ الأعلى إلى يوم الدين، أحبّتي الأنصار السّابقين الأخيار سلام الله عليكم ورحمته وبركاته السّلام علينا وعلى عباد الله الصالحين وسلامٌ على المرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين..
وما يريد الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني أن يُذكِّرَ به أنصارَه المكرّمين هو أن لا تنسوا الهدف الذي تناضلون من أجله، وهو أنّكم تريدون أن تحققوا السّعادة في نفس الله وتذهبوا الحسرة من نفسه على عباده الذين ظلموا أنفسهم؛ وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون، ولكنّهم لم يهونوا على ربّهم الرحمن الرحيم فقد وجدتم أنّه آسفٌ على عباده الذين ظلموا أنفسهم، والبرهان على أسف الله عليهم تجدونه في قول الله تعالى: {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ} صدق الله العظيم [الزخرف:55].
وكذلك فرحة الله كبرى فهي على قدر حزنه على عباده الذين ظلموا أنفسهم وكذلك فرحته بتوبة عبده كما تعلمون في فتوى محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - قال: [لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاةٍ فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فيئس منها، فأتى شجرة فاضطجع في ظلّها قد يئس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثمّ قال من شدة الفرح: اللهم أنت عبدي وأنا ربّك. أخطأ من شدة الفرح] صدق عليه الصلاة والسلام وآله الأطهار.
أحبّتي في الله، تصوّروا مدى الحزن على وجه ذلك الرجل الذي لو أَفْلَتَتْ منه راحلته وهو في صحراءٍ قاحلةٍ ثمّ وقع ما عليها على الرمال وهربت منه، ومن ثمّ ظلّ يجري وراءها ولكن دون جدوى لم يلحقْ بها، فمسّه اللغوب والتّعب والعطش وهو يجري وراءها، ومن ثمّ استيأس منها، ومن ثمّ اضطجع تحت ظلّ شجرة ينتظر الموت إلا أن ينظر الله في أمره، ثمّ نام قليلاً ومن ثمّ أفاق من نومه فإذا هي قائمةٌ عنده وزمامها مُعلّقٌ على مقربةٍ من وجهه، ومن ثمّ أمسك بزمامها، ومن ثمّ قال من شدة الفرح: "اللهم أنت عبدي وأنا ربّك". سبحانه! بل أخطأ بغير قصدٍ من شدة الفرح، فتصوّروا الحُزن الذي كان على وجه ذلك الرجل ولذلك كانت الفرحة عظيمة بعد أن أمسك بزمام ناقته، ولكنّ الله هو أشدُّ حزناً على عبده من حزن ذلك الرجل وهو أشدّ فرحاً بتوبة عبده من فرح ذلك الرجل.
إذاً يا قوم فبِئسَ الجنّة التي سوف تشغلنا عن تحقيق الفرح والسعادة في نفس الله.
وربّما يودّ أحد أحباب الله أن يقاطع الإمام المهديّ بعَجَلٍ شديدٍ فيقول: "يا إمامي دُلّني كيف أُساعد في تحقيق السّعادة في نفس الله وأُذهب حُزن ربّي من نفسه". ومن ثمّ يفتيه الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني بالحقّ وأقول:
فلتجعل هُدى عبيد الله هو هدفك السّامي في هذه الحياة فلا تُبدّل تبديلاً مهما لاقيت من الأذى ومهما لاقيت من التكذيب، فادعُ إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة، واصبر على أذى عباد الله ولا تعجل عليهم فتدعو عليهم فيجيبك الله، تصديقاً لقول الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} صدق الله العظيم [البقرة:186].
وإذا فعلتَ ودعوت عليهم أن يهلكهم الله بعذابٍ من عنده فأنت تعتبر قد فشلتَ في تحقيق هدفك السّامي العظيم وجلبت إلى نفس ربّك الحُزنَ والأسفَ على عباده الذين كذّبوا بالحقّ من ربّهم وظلموا أنفسهم، وما من أمّة دعى عليهم رُسلُ ربّهم أو الصالحون من أتباعهم ثمّ أهلكهم الله تصديقاً لوعده لرسله وللذين آمنوا إلا وتحسّر عليهم من بعد أن يجيب دعوة الداعي، تصديقاً لقول الله تعالى: {إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [يس].
ويا أنصار المهديّ المنتظَر، لقد جعلكم الله رحمةً للعالمين فإن كنتم أنصار المهديّ المنتظَر فاعلموا أنّ الإمام المهديّ لا ينام و في قلبه مثقال ذرةٍ على أحدٍ من المسلمين، ولا أنام إلا وقد عفوتُ عمّن ظلمني أو أساءَ إليَّ في هذه الحياة من المسلمين أو الكافرين الذين لا يعلمون، فاصبروا على تحقيق هذا الهدف العظيم مهما وجدتم من الأذى من المسلمين والكافرين، فاصبروا واغفروا لهم إساءتهم إليكم فإنّ ذلك لمِن عزم الأمور، تصديقاً لقول الله تعالى: {وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴿٤٣﴾} صدق الله العظيم [الشورى].
ويا أحبتي الأنصار السّابقين الأخيار، فهل تعلمون لماذا اتّخذ الله إبراهيم خليلاً؟ وذلك بسبب قوله عليه الصلاة والسلام وآله الأطهار؛ قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴿٣٥﴾ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٣٦﴾} صدق الله العظيم [إبراهيم].
فانظروا إلى قول إبراهيم الحليم: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، فلم تجدونه يقول: "اللهم فأهلكه وأصبه بعذابٍ من عندك أو بأيدينا"، بل قال إبراهيم الحليم: {فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}، وهل تدرون لماذا؟ وذلك لأنّ لرسول الله إبراهيم هدفٌ عظيمٌ يريد أن يهدي الأمّة رحمةً بهم وحسرةً عليهم، ولكنّه دعا على القوم نبيُّ الله لوط - عليه الصلاة والسلام - فمرّ رُسل البلاغ بالتدمير على رسول الله إبراهيم - عليه الصلاة والسلام - لكي يخبروه في طريقهم أنّ الله سوف يَهَبُ له غلاماً عليماً حتى إذا سألهم عن أخبارهم، قال تعالى: {وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ﴿٥١﴾ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ ﴿٥٢﴾ قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ﴿٥٣﴾ قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ﴿٥٤﴾ قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ ﴿٥٥﴾ قَالَ وَمَن يَقْنَطُ مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ﴿٥٦﴾ قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ﴿٥٧﴾ قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ ﴿٥٨﴾ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ ﴿٥٩﴾ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا ۙ إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ ﴿٦٠﴾} صدق الله العظيم [الحجر].
ولكنّ خليل الله إبراهيم لا يزال مُصرّاً على تحقيق هدفه السّامي العظيم في هدي الأمّة وإنقاذهم من عذاب الله، ولذلك تجدونه يجادل رسل ربّ العالمين في قوم لوطٍ وطلب من الملائكة - رُسل الرحمن المبلّغين بالتدمير - مهلةً من الوقت، ويريد أن ينقذهم أجمعين فيدعوهم الليل والنّهار حتى يهتدوا. قال الله تعالى: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٤﴾ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ﴿٧٥﴾} صدق الله العظيم [هود].
فانظروا أحبّتي الأنصار إلى ثناء الله على نبيّه إبراهيم عليه الصلاة والسلام، قال تعالى: {يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ﴿٧٤﴾ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ﴿٧٥﴾} صدق الله العظيم، ولكن رُسل ربّ العالمين من الملائكة المكرمين قالوا: {يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَـٰذَا ۖ إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ۖ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ﴿٧٦﴾} صدق الله العظيم [هود].
ولذلك اتّخذ الله إبراهيم خليلاً بسبب حلمه على عباده، قال الله تعالى: {وَاتَّخَذَ اللَّـهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا} صدق الله العظيم [النساء:125]، بسبب قوله في الدُّعاء إلى ربّه: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـٰذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ ﴿٣٥﴾ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ ۖ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ۖ وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٣٦﴾} صدق الله العظيم [إبراهيم].
ولكنّ خليل الله إبراهيم لم يكتب له الله تحقيق هدفه العظيم فيهدي الله به الأمّة جميعاً فيجعلهم أمّةً واحدةً على صراطٍ مستقيمٍ جميعاً كونه ليس بأرحم من الله على عباده؛ بل حسرة الله على عباده هي أعظمُ من حسرة خليل الله إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وأعظمُ من حسرة خاتم الأنبياء والمرسَلين صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم، وأمّا الإمام المهديّ فلا يكاد أن يُذهب نفسه حسرات على العباد شيئاً لكوني نظرت إلى مدى عظيم حسرة جدّي محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - على عباد الله لدرجة أنّه كاد أن يُذهب نفسه حسراتٍ عليهم، لذلك قال الله تعالى: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللَّـهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} صدق الله العظيم [فاطر:8].
بل أسف محمد رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - كان على العباد أسفاً عظيماً في قلبه، ولذلك قال الله تعالى: {فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَىٰ آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَـٰذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا ﴿٦﴾} صدق الله العظيم [الكهف].
ومن ثمّ تفكّر المهديّ المنتظر وقال: إذا كان هذا حال قلب عبدٍ رؤوفٍ رحيمٍ بالعباد فكيف حال الله أرحم الراحمين؟ وهذا كان مُجرد تفكيرٍ منطقيٍّ ليس إلا بادئ الأمر، فقلت: إذاً لا بدّ أنّ الله هو أعظمُ حسرةً وأسفاً على عباده من خليل الله إبراهيم ومن محمدٍ رسول الله - صلّى الله عليه وعلى آله وسلّم - لكون الرحمة في نفس الله لهي أشدُّ رحمة بفارقٍ عظيمٍ، فقلت إذاً فلا بُدّ أنّ الله هو أعظم حسرةً وأسفاً على عباده فذلك ما يقوله العقل والمنطق لكون الله هو أرحم الراحمين. ولكن الظنّ لا يغني من الحقّ شيئاً، ومن ثمّ أراني الله الحقّ في محكم كتابه أنّه دائمُ الحسرة على عباده منذ أن أرسل أوّل رسولٍ إلى عباده من الجنّ والإنس فكذّبوا رُسلَ ربِّهم فدعا عليهم الرّسل فاستجاب الله لهم فأهلك عدوّهم، ومن ثمّ تحسَّر على عباده من ذلك الحين منذ الأزل القديم لعصر الجنّ والإنس، فإذاً الفتوى عن تحسّر الله على عباده الكافرين قد جعله الله في أشدّ آيات الكتاب إحكاماً وبياناً: {إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم [يس].
ومن ثمّ أطرقتُ مليّاً وانفجرت باكياً بين يدي الله بكاءً مريراً وقلت: يارب، لمَ خلقتني يا إلهي؟ فهل لكي آكل الأعناب والفواكه وأستمتع بالحور العين وأشرب من نهر العسل المُصفّى والخمر واللبن وأسكن في القصور الفاخرات في جنّات النّعيم؟ فهل هذا هو الهدف من خلقنا حتى نتّخذ رضوانك وسيلةً لتحقيق ذلك؟ هيهات هيهات وتالله ما هذا بإنصاف الربّ حقّه، فكيف يكون الحبيب سعيداً ما لم يكن أحبّ شيء إلى نفسه سعيداً وفرحاً مسروراً! فكيف نكون سعداء في جنّة النّعيم وحبيبنا الله أرحم الراحمين حزين ومتحسر على عباده؛ بل منذ آلاف السّنين وهو حزينٌ ومتحسرٌ على عباده؟ وهذه فتوى الله عن حسرته على عباده من الجنّ والإنس منذ الأزل القديم: {إِن كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴿٢٩﴾ يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ ۚ مَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ ﴿٣٠﴾ أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ أَنَّهُمْ إِلَيْهِمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴿٣١﴾ وَإِن كُلٌّ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴿٣٢﴾} صدق الله العظيم.
فوالله الذي لا إله غيره وكأنّي أرى دموع أحباب الله تسيل على خدودهم فحرّموا الجنّة على أنفسهم حتى يحقّق الله لهم النّعيم الأعظم منها فيكون الله سعيداً فرحاً مسروراً بتوبة عباده أجمعين، ثم يجعلوا هدفهم في هذه الحياة هو أن يجعلوا النّاس أمّةً واحدةً على صراطٍ مستقيمٍ حتى يتحقّق رضوان الله في نفسه لكونهم لا يتّخذون رضوان الله وسيلة لتحقيق الجنّة؛ بل اتّخذوا رضوان الله غاية، ولن يرضوا إلا بتحقيق غايتهم. أولئك من أكرم أحباب الرحمن في محكم القرآن، ألا والله الذي لا إله غيره إنّكم لتجدونهم يرفضون سلعة ربّهم المعروضة عليهم في قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّـهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّـهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿١١١﴾} صدق الله العظيم [التوبة].
فانظروا لقول الله تعالى: {فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ}، ويقصد فأبشروا بالجنّة، وأوفاهم بالثمن فور استشهادهم في سبيل الله، ولذلك تجدونهم رضوا بها وفرحوا بها كونهم اتّخذوا رضوان الله وسيلةً لتحقيق ذلك، وذلك مبلغهم من العلم، قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴿١٦٩﴾ فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴿١٧٠﴾ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللَّـهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّـهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿١٧١﴾} صدق الله العظيم [آل عمران].
ولكن مَن هم أشدُّ حُبّاً لله في الكتاب في عصر بعث المهديّ المنتظر لن يرضوا بذلك أبداً حتى يُحقّق الله لهم النّعيم الأعظم من جنّة النّعيم، وسوف يجاهدون في سبيل الله بالدّعوة إليه على بصيرةٍ من ربّهم ولن تجدوا البيع والشراء بينهم وبين ربّهم، فهل يكون بيعٌ وشراءٌ بين الحبيب وحبيبه؟ بل الحُبّ أكبر في قلوبهم لربّهم أولئك هم أنصار المهديّ المنتظَر في الكتاب الذي وعد الله بهم في محكم كتابه في قول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّـهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّـهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَاللَّـهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴿٥٤﴾} صدق الله العظيم [المائدة].
أولئك هم من أعظمِ درجات أحباب الربّ من بين العبيد، وهم أشدُّ حبّاً لله، ولذلك لن يرضيهم ربّهم بنعيم جنّته ويقولون لربّهم: "وكيف يسعدُ الحبيب وحبيبه ليس بسعيدٍ ومُتحسّرٌ في نفسه؟ بل نُريدُ تحقيق النّعيم الأعظم من جنّتك يا أرحم الراحمين". وعلى ذلك تستمر حياتهم وعلى ذلك يموتون وعلى ذلك يبعثون، ولن ترضى أنفسهم أبداً أبداً حتى يحقّق الله لهم النّعيم الأعظم من ملكوت الدنيا والآخرة فيرضى في نفسه ثمّ يأذن الله لعباده الذين تحسّر عليهم من قبل أن يدخلوا جنّته حين يذهب الفزع عن قلوب الأمم بالمفاجأة الكبرى حين يسمعوا ربّهم قد أذِن لهم أن يدخلوا جنته، فيتفاجأ الأمم جميعاً ويقولوا لأحباب الرحمن في محكم القرآن: {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} صدق الله العظيم [سبأ:23].
وهنا تحقّق النّعيم الأعظم.
وسلامٌ على المرسَلين، والحمد لله ربِّ العالمين ..
أخو البشر في الدّم من حواء وآدم عبد النّعيم الأعظم؛ الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني.
__________________
ـــــــــــــــــــــــــــ
۞رابط مصدر البيان في منتديات البشرى الإسلامية۞
https://mahdialumma.net./showthread.php?p=8695
ـــــــــــــــــــــــــــ
Swahili
https://mahdialumma.net./showthread.php?p=281632