سلام على من اتّبع الهدى و بعد؛ أخي السائل المتابع قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ ۖ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا ۚ فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا (97) إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98) فَأُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا (99) .
لقد شدّد الله الوعيد على الذين يرتدّوا على أدبارهم من بعد ما تبيّن لهم الهدى بحجّة أنّهم مستضعفين و الله تعالى يعلم حالهم و لو كانوا صادقين لذكر الله صدق ادّعاءهم و لكن علم كذبهم فأدخلهم النّار جزاء لهم و استثنى الله تعالى الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الذين لا يستطعون حقّا حيلة و لا يهتدون سبيلا فأولئك كما قال تعالى:أُولَٰئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ ۚ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا .
حسنا أخي لو كان الولدان صبية أو أطفالا أو صغارا فكيف يعذّبهم الله تعالى و لم يبلغوا الحلم بعد و لم يبلغوا سنّ التكليف و ما ذنبهم وهم تحت وصاية آباءهم و أمّهاتهم ليعلموا أنّ الهجرة في سبيل الله حقّ.
و هل يعلم الصبيّ ما معنى هجرة في سبيل الله إلّا إذا كانت كلمة ولدان في كتاب الله تفيد من بلغ رشده و اشتدّ عوده حتّى يشمله خطاب التكليف أوّلا ثمّ خطاب الوعيد من الله تعالى لذلك جاء قوله تعالى شاملا: إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا (98).
و أزيدك أخي قوله تعالى: وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا (75)
فهل تنتظر يوما صغيرا أو صبيّا لسان حاله يقول: رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيرًا. و لو بالقول الدارج أي العاميّ و هذا بالطبع محال لأنّ الله تعالى وصف لنا حال من عقل و عذّب في دينه و دعا ربّه بخشوع و إنابة. فالولدان في هذه الآية كسابقتها تتكلّم عن أناس بلغوا الرشد و علموا ما يقولون.
و أقول لك والله لقد جاءك الإمام ناصر محمد اليماني بالحقّ و أحسن تفسيرا و أتاك بيان الكلمة من ذات القرآن و إنّه والله لبيان تطمئنّ له القلوب و تذعن له الرقاب وتخرس به الألسنة.
و أقول لك ختاما اتّق الله و تذكّر قوله تعالى: فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِن كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا (17).