الإمام المهديّ ناصر محمد اليمانيّ
07 - رجب - 1444 هـ
29 - 01 - 2023 مـ
08:40 صباحًا
(بحسب التّقويم الرّسميّ لأم القُرى)
[لمتابعة رابط المشاركة الأصلية للبيان]
https://mahdialumma.net./showthread.php?p=405581
_________
ويا مَعشَر الأنصار، نحن وَعدناكم بِما شاء الله مِن قَصَص الأنبياء ولَم نَعِدكم بِقصصهم جميعًا إلى حين.
وعلى كُلِّ حال، نُتِمُّ لكُم قِصّة نَبيّ الله لوط الذي كان يذهَب ليتعلَّم العِلم على يَد نَبيّ الله إبراهيم لِيذهَب فيَستَمِر في حَمْل رسالة الله إلى إبراهيم لِقومه الذي هُم أنفسهم قَوم لوط، فجعل الله لوطًا مِن المُرسَلين، وجعَل الله إبراهيم كمثَل رسول الله جِبريل حين يُكَلِّفه الله بِتنزيل رسالةٍ إلى مَن اصطفاه الله للنَّاس رسولًا، وبِما أنَّ الله كان يُكَلِّم رسول الله إبراهيم تَكليمًا، فكان نَبيّ الله إبراهيم يُعَلِّم الرسالة لرَسول الله لوط عليهم الصَّلاة والسَّلام، فأصبَح رسول الله إبراهيم في مَنزِلة رسول الله جِبريل المُعَلِّم للرُّسُل، وأصبح لوط في منزلة الرُّسُل المُعَلِّمين للنَّاس بالوَحي مِن رَبِّ العالمين، تصديقًا لقول الله تعالى: {كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ ﴿١٦٠﴾ إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ ﴿١٦١﴾ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴿١٦٢﴾ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴿١٦٣﴾ وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ ۖ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَىٰ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿١٦٤﴾ أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ ﴿١٦٥﴾ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ۚ بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ ﴿١٦٦﴾ قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ ﴿١٦٧﴾} [سورة الشعراء]، فعَقَد قَوم لوطٍ اجتماعًا، وقَرَّروا إخراج لوط وأهْل بَيته المُتَطَهِّرين مِنهم كَما أخرجوا مِن قَبلِه رسول الله إبراهيم وزوجته عليهم الصَّلاة والسَّلام، غير أنه تَمَّ التَّراجُع عن إخراج آل لوط بشرط الاتِّفاق على أن يَبقى لوط في قريتهم بِشَرط أن لا يدعوهم إلى عبادة الله وحده، ولا يَدعو أحدًا مِن العالَمين أو يتكلَّم مع أحدٍ مِن العالَمين، ولذلك دَعا عليهم رسول الله لوط عليه الصَّلاة والسَّلام، تصديقًا لقول الله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ الْعَالَمِينَ ﴿٢٨﴾ أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ۖ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلَّا أَن قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿٢٩﴾ قَالَ رَبِّ انصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم [سورة العنكبوت]، فأرسل الله رُسُله الثَّلاثة بالبُشرى لِنبي الله لوط بهلاك قومه بعد أن منعوه مِن الدَّعوة إلى الله، ولذلك تَحَجَّجوا على لوط بالاتِّفاقيَّة حين راودوه عن ضيفِهِ وقالوا: "بيننا اتِّفاق بعد أن أجمعنا على إخراجك وأهلَك المُتَطَهِّرين فأرجأنا بَقاءك باتِّفاقٍ بيننا وبينك على أن تَبقَى بِشرط أن تَصمُت عَنِ الدَّعوة إلى الله وأن لا تُكَلّمنا ولا تُكَلِّم أحدًا من العالَمين وأنت في قريتنا أو تستقبله، ولذلك قال الله تعالى: {وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ ﴿٦٧﴾ قَالَ إِنَّ هَٰؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ ﴿٦٨﴾ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ ﴿٦٩﴾ قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ ﴿٧٠﴾} [سورة الحجر]، وهو لا يَعلَم أنَّ ضيُوفه ملائكة جاؤوا كذلك بِخَبَر إجابة الله لِدُعاء رسول الله لوط على قومه، وقال الله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَٰذِهِ الْقَرْيَةِ ۖ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ ﴿٣١﴾ قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا ۚ قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا ۖ لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴿٣٢﴾ وَلَمَّا أَن جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ ۖ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ﴿٣٣﴾ } صدق الله العظيم [سورة العنكبوت].
وكذلك رسول الله نُوح عَليه الصَّلاة والسَّلام، فبَعْد الدَّعوة ألف سَنة إلَّا خَمسين عامًا وأصابهم الله خِلال الدَّعوة بجَفافٍ وقَحطٍ شَديدٍ بالسِّنين العِجاف مِن المَطَر، وبرغم أنه تَضَرَّر نوحٌ ومَن اتَّبعه مِن جرَّاء الجَفَاف ولكن الضَّرَر الأكبَر على قومه أصحاب الأغنام الكَثير والإبِل والخيول، وأمَّا نوح والذين اتَّبعوه فكانوا فُقَراء لا يمِلكون مِن الأنعام إلَّا قليلًا؛ ولذلك تَزدَريهم أعيُن قَوم نُوحٍ كونهم فُقَراء، ولكِن الضَّرَر الكَبير على قَوم نوحٍ الأغنياء بِكَثرة أنعامِهم والخيول والبِغال والحَمير، فقال نبي الله نوح عليه الصّلاة والسّلام: "فلتدعوا ودًّا وسُواعًا ويَغوثَ ويَعُوقَ ونَسْرًا ليُنزلوا لَكُم المَطَر إن كُنتُم صادقين في دعائِكم لهُم مِن دُون الله، أو تستغفروا الله إنَّه كان غَفَّارًا، يُرسِل السَّماء عليكم مِدرارًا، ويُمدِدْكم بِأموالٍ وبَنينٍ، ويجعَل لَكُم جَنَّاتٍ ويَجعْل لَكُم أنهارًا، وما لَكُم لا تَرجون لله وقارًا؟!"، فاستكبروا - قومه - وقالوا: "بل سَبَب انقطاع المَطَر علينا أنَّه بسبب أنَّك أغضَبت آلِهتنا ومَن اتَّبعك في عبادة الله وحده لا شَريك له، ومِن قَبْل أن تأتينا كانت الأمطار لا تَنقَطِع علينا سِنين، فإمَّا أن تنتهي يا نوح ومَن اتَّبعَك في عبادة الله وَحده أو تكون مِن المَرجومِين أنت ومَن اتَّبعك أجمَعِين"، فقال نبي الله نوح:"إذًا فَلتُجمِعُوا أمرَكُم وكَبيركم بِأنَّكم مُجمِعون على هذا القَرار، واقضوا إلَيّ بالجواب النِّهائيّ"، وقال الله تعالى: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِن كَانَ كَبُرَ عَلَيْكُم مَّقَامِي وَتَذْكِيرِي بِآيَاتِ اللَّهِ فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلَا تُنظِرُونِ ﴿٧١﴾} [سورة يونس]، فَمِن ثمَّ اجتمع قَوم نُوح عِند كَبير القَوم - مَن لَم يزده ماله ووَلده إلَّا خسارًا - فأجمَعوا على قَرارٍ واحدٍ مُوحَّدٍ: {قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿٣٢﴾} [سورة هود]، وقال الله تعالى: {قَالُوا لَئِن لَّمْ تَنتَهِ يَا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ ﴿١١٦﴾ قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ ﴿١١٧﴾ فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿١١٨﴾ فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ ﴿١١٩﴾ ثُمَّ أَغْرَقْنَا بَعْدُ الْبَاقِينَ ﴿١٢٠﴾ [سورة الشعراء]، وقال الله تعالى: {فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنتَ وَمَن مَّعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴿٢٨﴾} [سورة المؤمنون].
فَمِن ثمَّ نأتي لِقصَّة يوسف في حَبسِه الأوَّل في قَصْر عَزيز مِصر بقرارٍ مِن زوجة عَزيز مِصر، ولَم يَعتَرِض زوجها على قرارها وظَنّه ردَّة فِعلٍ مِنها أنَّه راودها - يوسف - عن نفسها فألقَت به في السِّجن الخاص في نَفْس قَصْر عَزيز مِصر، فقالت امرأة صِهر عَزيز مصر:" يا زَوجي الحَبيب تدارَك أمْر أُختك فهي عرضك، فقد سمعتُ أنها سجنت فَتاها وتقول أنَّه رَاودها عن نفسها، وسمعت أنَّهُ قُدَّ قَميص يوسف فتاها، وتُحَاجِج أنَّها قَدَّت قميصه دِفاعًا عن نفسها، وحبسته بقميصه كدليل على برائتها في السِّجن الخاص بِقَصْر صِهرك عَزيز مصر، فتدارَك الأمْر قَبْل أن تظهر السُّمعة على الملَإ"، فقال زوجها: "وهل قميصه قُدَّ مِن قُبُلٍ أم قُدّ مِن دُبُرٍ؟" فقالت: "لا أعلم". فقال زوجها الحَكيم العَدل: "إن كان قَميصه قُدَّ من قُبُلٍ فصَدَقَت وهو مِن الكاذِبين، كونها كانت تُدافِع عن نفسها، وإن كان قَميصه قُدَّ مِن دُبُرٍ فكذَبَت وهو مِن الصَّادقين، كونه تَولَّى عنها يجري نحو الباب فلحقته فمَسَكَت قميصه مِن الرَّقبة مِن الوراء فَقُدَّ مِن دُبُرٍ، ولسوف أذهب لِأنظُر إلى يوسف؛ وقميصه بُرهانٌ عليه أو بُرهانٌ لبرائته"، وقال الله تعالى: {وَاسْتَبَقَا الْبَابَ وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ ۚ قَالَتْ مَا جَزَاءُ مَنْ أَرَادَ بِأَهْلِكَ سُوءًا إِلَّا أَن يُسْجَنَ أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴿٢٥﴾ قَالَ هِيَ رَاوَدَتْنِي عَن نَّفْسِي ۚ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَا إِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ﴿٢٦﴾ وَإِن كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴿٢٧﴾ فَلَمَّا رَأَىٰ قَمِيصَهُ قُدَّ مِن دُبُرٍ قَالَ إِنَّهُ مِن كَيْدِكُنَّ ۖ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ ﴿٢٨﴾ يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَٰذَا ۚ وَاسْتَغْفِرِي لِذَنبِكِ ۖ إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ ﴿٢٩﴾} [سورة يوسف].
وأخرج يُوسف مِن سِجْن قَصْر العَزيز إلى جَناح يوسف الخاص كَما كان مِن قَبْل، وأراد أن يُغلِق الموضوع، وعَلِم مَن في القصر مِن خَدَم وخادِمات الوَزير عن ثُبوت براءة يُوسف وأنَّه تبيَّن أنَّها هي التي راودته عن نفسه، وشاع الخَبَر لدى زَوجات وزراء مِصر، فاحتقَرن امرأة العَزيز إذ كيف تُراوِد خادمها عَن نفسه وهو مِن الخَدَم وهي امرأة عَزيز مِصر؟! ولَكِنَّهُن لم يُشاهِدن يُوسف مِن قَبْل، فَسَمِعَت بِمَكرِهِنَّ ضِدَّها، ولَكِنَّها ذَكيَّةٌ جِدًّا كَمَثل ذَكاء أخيها، فأقامَت لَهُنَّ دَعوةً وأعَدَّت لِكُلِّ واحِدةٍ مِنُهنَّ مُتّكَأً على الشِّمال، وأحضرَت لَهُنَّ فاكِهةً، وأعطَت كُلّ واحِدةً مِنهُنَّ سِكينًا، ويبدو أنَّ بِدْء تناول الفواكه يبدأ حين يأذَن المُضيف، فقالت لَهُنَّ: "سَمِّين بالله وتناولن الفاكهة"، وهي تعلَم أنَّهُنَّ سيجعلن الفاكِهة في اليد اليُسرى التي على المُتَّكَأ والسكاكين الحادَّة في اليَد اليُمنَى؛ بل شَكل المُتَّكَأ كان مُرتَفِعًا ووضَعن أكواع أيديهن الشِّمال على المُتَّكَأ والفاكِهة كذلك في اليَد الشِّمال والسِّكين الحاد جِدًّا في اليَد اليمين، فحين أذِنَت لَهُنَّ بتناول الفاكهة قالت ليوسف: "أُخرج عليهن وامشِ بالوسَط وأقرئهن السَّلام فَور دخولك"، وذلك حتى ينظُرن إليه. فنَفَّذ الأمْر وخَرَج عليهِنَّ وقال: "سلام الله عليكم" في أثناء ما بدأن بتقطيع الفاكِهة، فنَظَرْن إلى يوسف فأصابهنّ الذُّهول والاسترخاء، فبسبب أن اليَد الشِّمال أعلى فوق المُتَّكأ مِن اليَد اليَمين وبسبب وزن اليَد اليَمين انسحب السِّكين آليًّا - دون أن يشعُرن - قاطِعًا الفاكِهة حتى وصَل إلى كَف اليَد اليُسرى فقطَّعن أيديَهُنّ أي: جَرحْن أيديَهُنّ. فتبسَّمت امرأة رئيس مَجلِس الوزراء ضاحكةً مِمَّا حدث لزوجات أعضاء مَجلِس الوزراء، فقالت: "ذلك ما لُمتُنَّنِي فِيه وإن لَم يفعل ما آمُرُه به ليُسجنَنّ وليكونَنّ مِن الصاغرين"؛ لتشمت فيهِنّ أنَّها سوف تَنال مِن يوسف ولن ينالينَهُ مِثلها. ثم أعطت لِكُلِّ واحِدة رباطًا ليَدها لتوقيف الدَّمِ من جُرحٍ في راحة اليَد اليُسرى. فيا لها مِن امرأةٍ ذَكيَّةٍ، حتى إذا رَجِعن لأزواجهنّ وكُلّ واحدة رابطةً يَدها فسَأل كُلّ وزير زوجته حين شاهد الرّباط ما جرَح يَدها فقالت: "لست وَحدي بل كافّة زوجات أعضاء مَجلِس الوزراء قَطَّعن أيديهنّ مِمَّا شاهدنَ مِن جمال يوسف الملائكيّ، وقُلنَ حاشا لله ما هذا بَشرًا إن هذا إلَّا مَلَكٌ كَريم".
فشاهدوا - كافَّة أعضاء مَجلِس الوزراء - أنَّ زوجة كُلِّ واحِدٍ مِنهُم وقَعْن أجمعين في فِتنة جمال يوسف، فَكُلّ واحِدة تُريد أن يفترِشها يوسف مَهما كان الثَّمن ولو مَرَّة واحِدة - كافّّة زوجات أعضاء مَجلِس الوزراء - بِما فِيهِنّ المُغرَمة الأولى (زوجة رئيس مَجلِس الوزراء عزيز مصر)، فَمِن ثَم تم اجتماعٌ سِرّيٌّ لكافّة أعضاء مجلس الوزراء؛ اجتماعٌ طارِئٌ سرِّيٌّ في قَصْر رئيس مَجلِس الوزراء زوج المتيَّمة الأولى، فبسبب ما شاهدوا مِن الآيات مِن جُروح أيديهِنّ بسبب وقوع فتنتهِنّ في جَمال يُوسُف أجمَعوا أن يُلقوه في السِّجن ظُلمًا وهم يعلمون أن يُوسف مَظلومٌ، وقال الله تعالى: {ثُمَّ بَدَا لَهُم مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ حَتَّىٰ حِينٍ ﴿٣٥﴾} [سورة يوسف]، ولَكِن مَلِك مِصر لا يعلَم بِما حَدَث وأراد الله أن يُثبِت براءة يوسف، فجاء قَدَر رُؤيا المَلِك، وقال الله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَىٰ سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ ۖ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ إِن كُنتُمْ لِلرُّؤْيَا تَعْبُرُونَ ﴿٤٣﴾} صدق الله العظيم [سورة يوسف]، وبسبب رؤيا الفَتَيان اللذان دَخَلا مع يوسف في السِّجن المُخَصَّص لِفِتيان كُبارات الدَّولة لحِفظ الأسرار الحكوميَّة لوزراء الدَّولة وفِتيان المَلِك، وليس في السِّجن المَركَزيّ العام للمساجين مِن الشَّعب، والمُهِم فكذلك حدَثَت مُشكلة في قَصْر المَلِك: ثلاثة من خَدَم المَلِك الطَّباخِين؛ فحدثَت مُشكِلة بين اثنين، فقُتِل أحدهم والثالث بَرِيء، غير أنَّ القاتِل بَرَّأ نفسه واتَّهم البَرِيء بقَتْل المَقتول طَعنًا بالسِّكين، فتَمَّ إلقاء فَتَيا المَلِك الاثنين لإجراء التَّحقيق في سِجن فِتيان المسؤولين إلى جانِب يوسف، فجاء قَدَر رُؤيا الفَتَيان، وقال الله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ ۖ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا ۖ وَقَالَ الْآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ ۖ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ ۖ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٣٦﴾} [سورة يوسف]، فقال يوسف: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَمَّا أَحَدُكُمَا فَيَسْقِي رَبَّهُ خَمْرًا ۖ وَأَمَّا الْآخَرُ فَيُصْلَبُ فَتَأْكُلُ الطَّيْرُ مِن رَّأْسِهِ ۚ قُضِيَ الْأَمْرُ الَّذِي فِيهِ تَسْتَفْتِيَانِ ﴿٤١﴾}[سورة يوسف]، ثم جاء قَدَر رُؤيا المَلِك ليُخرِج الله يُوسف مِن السِّجن ويُمَكِّنه في الأرض؛ فتمَّ تأويلها، ثُمَّ طَلَب المَلِك أن يُحضروا يوسف لتوظيفه في تأويل الرُّؤى (خاصٌّ بالمَلِك لتأويل الرُّؤى)، ولكن يوسف رَفَض الخروج من السِّجن، وقال الله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ ۖ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَىٰ رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ ۚ إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ ﴿٥٠﴾} [سورة يوسف]، فهُنا قَصَّ على المَلِك فتاهُ ما سمعه مِن يوسف وقِصَّة زوجات الوزراء بِما فيهِنّ امرأة رئيس مجلس الوزراء (عَزيز مصر)، فأمَر المَلِك بإحضار رئيس مجلس الوزراء وزوجته وكافة أعضاء مَجلِس الوزراء وزوجاتهم فقال الملك: {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ ۚ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سُوءٍ ۚ قَالَتِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ ﴿٥١﴾ ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴿٥٢﴾}[سورة يوسف]، وتَقصد زوجة رئيس مجلس الوزراء بقولها: {ذَٰلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ﴿٥٢﴾}[سورة يوسف]، أي: زوجها - كونه حاضِرًا بين الوزراء الذين تَمَّ استدعاؤهم - أن يعلَم أنَّها لم تخُنه بالغَيب مع أي شخصٍ حين غياب زوجها، إنَّ الله لا يهدي كَيْد الخائنين، وقالت: {وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿٥٣﴾ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي ۖ فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ ﴿٥٤﴾ قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ﴿٥٥﴾ وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ ۚ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ ۖ وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴿٥٦﴾ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴿٥٧﴾} [سورة يوسف]، كون رئيس مجلس الوزراء حاضرًا بين الوزراء يسمَع قولها ليعلَم أنَّه ليس من عادتها أن تخونه في غيابه كونه مِن الذين تَمّ إحضارهم إلى الصَّرح المَلَكيّ بين يدي المَلِك العَدْل، فمَكَّن المَلِكُ يوسف وجعله هو الرَّئيس العام لوزراء الدَّولة عليهم أجمعين.
وسلامٌ على المُرسَلين والحمدُ لله ربِّ العالمين..
خليفة الله الإمام المهديّ؛ ناصر محمد اليمانيّ.
___________