- 2 -
الإمام ناصر محمد اليماني
25 - 09 - 1431 هـ
04 - 09 - 2010 مـ
04:06 صباحاً
[ لمتابعة الرابط الأصلي للبيان ]
https://mahdialumma.net./showthread.php?p=7490
ــــــــــــــــــــــ
لن يعقل سرّ الشفاعة إلا الذي علّم النّاس بحقيقة اسم الله الأعظم ..
ومن هم أولو الألباب ؟
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على كافة الأنبياء والمرسَلين وآلهم الطاهرين والتابعين للحقّ إلى يوم الدّين، ولا أفرّق بين أحدٍ من رسله وأنا من المسلمين، والحمدُ لله ربّ العالمين..
قال الله تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ ﴿١٧﴾ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّـهُ ۖ وَأُولَـٰئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿١٨﴾} صدق الله العظيم [الزمر].
اللهم صلِّ على عبادك أولي الألباب وسلّم تسليماً، وسبقت فتوانا بالحقّ أنّه لن يتّبع الأنبياء والمرسَلين والمهديّ المنتظَر إلا الذين يستخدمون عقولهم وأولئك الذين هداهم الله من عباده، تصديقاً لقول الله تعالى: {أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ ۚ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴿١٩﴾ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّـهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ ﴿٢٠﴾ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّـهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ ﴿٢١﴾ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَـٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ ﴿٢٢﴾ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ ﴿٢٣﴾ سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ ﴿٢٤﴾} صدق الله العظيم [الرعد].
والسؤال الذي يطرح نفسه: فمن هم أولو الألباب؟ والجواب: إنّهم الذين لا يتّبعون الذين من قبلهم الاتّباع الأعمى بل يردّون بصيرة الداعية إلى الله إلى عقولهم هل تقرّها أم تنكرها لكونها لا تعمى الأبصار عن التمييز بين الحقّ والباطل، ولذلك فسوف يسألكم الله عن عقولكم لو لم تتّبعوا الحقّ من ربّكم وكذلك سوف يسألكم الله عن عقولكم لو اتّبعتم الباطل من الذين يقولون على الله ما ليس له برهان من ربّهم إلا اتّباع الظنّ، قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ۚ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَـٰئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴿٣٦﴾} صدق الله العظيم [الإسراء].
وسبق أن أفتيناكم من محكم الكتاب أنّ أصحاب النّار من الجنّ والإنس هم الذين لا يتفكّرون فيما أُنزل إليهم من ربّهم فهم عنه معرضون، وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ ۖ لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَّا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَّا يَسْمَعُونَ بِهَا ۚ أُولَـٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَـٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ ﴿١٧٩﴾} صدق الله العظيم [الأعراف].
وكذلك تجدون الفتوى من الكافرين عن سبب ضلالهم عن الصراط المستقيم بأنّه عدم استخدام العقل، ولذلك قالوا: {وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴿١٠﴾} صدق الله العظيم [الملك].
وها هم المسلمون عادوا لسرّ عبادة الأصنام، وقد يستغربّ الباحث عن الحقّ فيقول: "ولكننا لا نعلم أنّ المسلمين عادوا لعبادة الأصنام". ثمّ نردّ عليهم بالحقّ ونقول: وذلك لأنّكم لا تعلمون ما هو السرّ لعبادة الأمم الأولى للأصنام. وإنّما الأصنام تماثيل صنعتها الأمم الأولى لأنبياء الله في كلّ أمّة ولأوليائه المكرمين، فيعتقدون أنّهم شفعاؤهم عند الله حتى إذا جاء حشرهم فيعرف أولياء الله الذين جسدوا الأصنام تماثيلاً لصورهم ولذلك يقولون: {وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَـٰؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِن دُونِكَ ۖ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ ﴿٨٦﴾ وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّـهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ ۖ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿٨٧﴾} صدق الله العظيم [النحل].
وإنّما يشركون بعد حينٍ من بعث نبيّهم بسبب تعظيمه والمبالغة فيه من بعض أتباعه بعد حينٍ من موته، فيصنعون لصورهم تماثيل من بعد موتهم، ولذلك فهم غافلون عن عبادتهم. وقال الله تعالى: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّـهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ ﴿٥﴾ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ﴿٦﴾} صدق الله العظيم [الأحقاف].
وقال الله تعالى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ} صدق الله العظيم [الزخرف:86].
وسأل الله أنبياءه ورسله وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّـهِ فَيَقُولُ أَأَنتُمْ أَضْلَلْتُمْ عِبَادِي هَـٰؤُلَاءِ أَمْ هُمْ ضَلُّوا السَّبِيلَ ﴿١٧﴾ قَالُوا سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا ﴿١٨﴾ فَقَدْ كَذَّبُوكُم بِمَا تَقُولُونَ فَمَا تَسْتَطِيعُونَ صَرْفًا وَلَا نَصْرًا ۚ وَمَن يَظْلِم مِّنكُمْ نُذِقْهُ عَذَابًا كَبِيرًا ﴿١٩﴾} صدق الله العظيم [الفرقان].
وتجدون أنّ سبب ضلالهم أنّهم لم يتّبعوا ذكر ربّهم المُنزل إليهم، ولذلك قال الأنبياء: {سُبْحَانَكَ مَا كَانَ يَنبَغِي لَنَا أَن نَّتَّخِذَ مِن دُونِكَ مِنْ أَوْلِيَاءَ وَلَـٰكِن مَّتَّعْتَهُمْ وَآبَاءَهُمْ حَتَّىٰ نَسُوا الذِّكْرَ وَكَانُوا قَوْمًا بُورًا} صدق الله العظيم.
وقال الله تعالى: {وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ ﴿١٣﴾ إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ ﴿١٤﴾} صدق الله العظيم [فاطر].
وقال الله تعالى: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ ۚ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ ۖ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴿٢٨﴾ فَكَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ﴿٢٩﴾ هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ ۚ وَرُدُّوا إِلَى اللَّـهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۖ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم [يونس].
فانظروا لقول أنبياء الله للذين اعتقدوا في شفاعتهم قالوا: {وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ ﴿٢٨﴾ فَكَفَىٰ بِاللَّـهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ ﴿٢٩﴾ هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ ۚ وَرُدُّوا إِلَى اللَّـهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ ۖ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم.
إذاً فقد كفروا بعقيدة المبالغة فيهم بغير الحقّ لأنّهم عباد الله المكرمين وكانوا عليهم ضدّاً، تصديقاً لقول الله تعالى: {وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ آلِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ﴿٨١﴾ كَلَّا ۚ سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ﴿٨٢﴾} صدق الله العظيم [مريم]. وذلك هو سرّ عبادة الأصنام.
إذاً فلا فرق بين شرك الأمم الأولى وشرككم إلا قليلاً لكونكم ترجون شفاعة أنبياء الله ورُسله وأوليائه المقرّبين فترجون منهم أن يشفعوا لكم بين يديّ الله فذلك شرك بالله فلا ينبغي لهم أن يكونوا أرحم من الله أرحم الراحمين، فكيف تنكرون صفة الله أنّه أرحم الراحمين؟ فكيف يشفع لكم ممن هم أدنى رحمةً بكم من الله أفلا تعقلون؟
ولربّما يودّ أحد الذين لا يؤمنون بالله إلا وهم مُشركون أن يقاطعني فيقول: "ألم يقل الله تعالى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ} صدق الله العظيم [الزخرف:86]؟" ثمّ يردّ عليه الإمام المهديّ عن البيان الحقّ لقول الله تعالى: {إِلَّا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ}، أي: شهد أنّ الله هو أرحم الراحمين، ولذلك يحاجِج ربّه في تحقيق النّعيم الأعظم حتى يرضى الله في نفسه، تصديقاً لقول الله تعالى: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّـهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم [النجم].
وبما أنّه لا يجرؤ أحدٌ على خطاب الربّ إلا الذي أذِن له أن يخاطب ربّه وذلك لأنّه يعلم أنّه سوف يقول صواباً، ولذلك تجدونه يحاجِج ربّه أن يرضى في نفسه، ولذلك قال الله تعالى: {إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّـهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ} صدق الله العظيم، إذاً لن تجدوه يسأل الله الشفاعة بل يخاطب ربّه بتحقيق النّعيم الأعظم ويرضى، فإذا رضي تحقّقت الشفاعة من الله إليه فتشفع لهم رحمته في نفسه وهو العلي الكبير. وقال الله تعالى: {وَلَا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِندَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ ۚ حَتَّىٰ إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ ﴿٢٣﴾} صدق الله العظيم [سبأ].
فيتفاجأ أهل النّار بقول الله لأحد النفوس المطمئنة: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ﴿٢٧﴾ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً ﴿٢٨﴾ فَادْخُلِي فِي عِبَادِي ﴿٢٩﴾ وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴿٣٠﴾} صدق الله العظيم [الفجر]، ومن ثمّ يتفاجأ عباد الله بإذن الله لهم ولعبده بالدخول جنّته فيقولون: {مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ} صدق الله العظيم. ومن ثمّ يردّ عليهم زُمرته من عبيد النّعيم الأعظم: {قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ ۖ قَالُوا الْحَقَّ ۖ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} صدق الله العظيم.
وأمّا عباد الله المكرمون فهم لا يملكون الشفاعة تصديقاً لقول الله تعالى: {لَّا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ} صدق الله العظيم [مريم:87]، وذلك لأنّهم لا يعقلون سرّ الشفاعة لكونهم لا يحيطون بسرّ اسم الله الأعظم ليحاجّوا ربّهم أن يحقّقه لهم، ولذلك قال الله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ شُفَعَاءَ ۚ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ ﴿٤٣﴾} صدق الله العظيم [الزمر]، وإنّما يقصد الله أنّهم لا يعقلون سرّ الشفاعة، أي لا يفهمون السرّ ولذلك لا ينبغي أن يخاطب الربّ في سرّ الشفاعة إلا الذي يعقل سرّها أي الذي يعلم بسرّها. وأضرب لكم على ذلك مثلاً في قول الله تعالى: {أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللَّـهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ} صدق الله العظيم [البقرة:75]، وموضع السؤال هو في قول الله تعالى: {مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ}، أي من بعد ما علموه، وإنّما أضرب لكم على ذلك مثلاً لكي تعلموا البيان لكلمات التشابه أنّه يأتي في مواضع ذكر العقل ولا يقصد به بالأبصار بل العلم والفهم، مثال في قول الله تعالى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّـهِ شُفَعَاءَ ۚ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ ﴿٤٣﴾} صدق الله العظيم.
وتبيّن لكم أنّه يقصد بقوله: {أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلَا يَعْقِلُونَ}، أي: لا يملكون الشفاعة لكونهم لا يعقلون سرّ الشفاعة، ولن يعقل سرّ الشفاعة إلا الذي علّم النّاس بحقيقة اسم الله الأعظم، وذلك لأنّ اسم الله الأعظم هو السرّ للذي أذِن له الرحمن وقال صواباً وجميع المتّقين من قبل لا يملكون منه خطاباً فيشفعون لكونهم لا يعقلون سرّ اسم الله الأعظم جميع المُتّقين وملائكة الرحمن المقرّبين، ولذلك لا يملكون منه خطاباً في سرّ الشفاعة جميعاً. وقال الله تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا ﴿٣١﴾ حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ﴿٣٢﴾ وَكَوَاعِبَ أَتْرَابًا ﴿٣٣﴾ وَكَأْسًا دِهَاقًا ﴿٣٤﴾ لَّا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا كِذَّابًا ﴿٣٥﴾ جَزَاءً مِّن رَّبِّكَ عَطَاءً حِسَابًا ﴿٣٦﴾ رَّبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَـٰنِ ۖ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَابًا ﴿٣٧﴾ يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفًّا ۖ لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَابًا ﴿٣٨﴾} صدق الله العظيم [النبأ].
وإنّما يأذن للعبد الذي علم بحقيقة اسم الله الأعظم، ولذلك يأذن الله له أن يُخاطب ربّه لكونه سوف يقول صواباً، وذلك هو المُستثنى الذي يأذن الله له أن يخاطبه في سرّ الشفاعة، ولذلك قال الله تعالى: {إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـٰنُ وَقَالَ صَوَابًا} صدق الله العظيم، لكون القول الصواب هو أنّه سوف يخاطب ربّه أن يحقق له النّعيم الأعظم من نعيم جنّته فيرضى، ولذلك قال الله تعالى: {وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّـهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَىٰ ﴿٢٦﴾} صدق الله العظيم [النجم]، وذلك لأنّ رضا الله هو النّعيم الأعظم من نعيم جنّته، تصديقاً لقول الله تعالى: {وَعَدَ اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّـهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٧٢﴾} صدق الله العظيم [التوبة].
إذاً قد تبيّن لكم حقيقة اسم الله الأعظم أنّه ليس اسماً أعظم من أسماء الله الحُسنى، فأيّمّا تدعون فله الأسماء الحُسنى من غير تفريقٍ فإن فرّقتم فذلك إلحادٌ في أسماء الله الحُسنى، وإنّما يوصف الاسم الأعظم بالأعظم لكون الله جعل هذا الاسم صفةً لرضوان نفسه تعالى على عباده فيجدون أنّه حقاً نعيم أعظم من نعيم الجنّة ولذلك يوصف بالأعظم، تصديقاً لقول الله تعالى: {وَعَدَ اللَّـهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّـهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴿٧٢﴾} صدق الله العظيم.
فهل عقِلتم حقيقة اسم الله الأعظم؟ ففي ذلك السرّ لمن أذِن الله له بالخطاب لكونه يتّخذ رضوان الله غايةً وليست وسيلةً لكي يفوز بالجنّة، وكيف يتحقّق رضوان الله في نفسه؟ وذلك حتى يدخل عباده في رحمته. فلِمَ يا قوم تبالغون في أنبياء الله ورسله ولم تقتدوا بهداهم فتحذوا حذوهم فتنافسوهم وعبيد الله جميعاً في حبّ الله وقربه؟ بل أبيتم وتزعمون أنّهم شُفعاؤكم بين يديّ الله، وقال الله تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَىٰ بَعْضٍ ۖ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا ﴿٥٥﴾ قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِهِ فَلَا يَمْلِكُونَ كَشْفَ الضُّرِّ عَنكُمْ وَلَا تَحْوِيلًا ﴿٥٦﴾ أُولَـٰئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَىٰ رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ ۚ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا ﴿٥٧﴾ وَإِن مِّن قَرْيَةٍ إِلَّا نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا ۚ كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ﴿٥٨﴾ وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالْآيَاتِ إِلَّا أَن كَذَّبَ بِهَا الْأَوَّلُونَ ۚ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا ۚ وَمَا نُرْسِلُ بِالْآيَاتِ إِلَّا تَخْوِيفًا ﴿٥٩﴾} صدق الله العظيم [الإسراء].
إذاً آية العذاب التي سوف تشمل قرى المسلمين والكافرين بذكر الله القرآن العظيم هو بسبب أنّ الإمام يدعوكم إلى عبادة الله وحده لا شريك له فتنافسون كافة عبيد الله الأوّلين والآخرين في حبّ الله وقربه أيّهم أقرب من غير تعظيمٍ ولا تفضيلٍ لأحد عبيده من دونه فتجعلونه خطاً أحمر بينكم وبين ربّكم فتعتقدون أنّه لا ينبغي لأحدكم أن ينافس أنبياء الله ورسله في حبّ الله وقربه! فذلك شركٌ بالله وظلمٌ عظيمٌ لأنفسكم، فما خطبكم لا ترجون لله وقاراً؟ فلا أجد في الكتاب المخلصين لربّهم إلا قليل لكون أكثر النّاس لا يؤمنون! ثمّ أجد كثيراً من الذين آمنوا لا يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون به عباده المقرّبين بسبب تعظيمهم بغير الحقّ! فجعلوا الله حصريّاً لهم من دونهم بسبب أنّهم عباده المكرمين.
ويا سبحان ربّي وهل تدرون لماذا كرّمهم الله؟ وذلك لأنّهم يعبدون ربّهم وحده لا شريك له فيتنافسون إلى ربّهم أيّهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه، فمن الذي نهاكم أن تقتدوا بهداهم حتى يكرّمكم الله مثلهم لو حذوتم حذوهم فنافستم أنبياء الله ورسله والمهديّ المنتظَر وجبريل وكافة عبيد الله في الملكوت جميعهم يتنافسون إلى ربّهم أيّهم أقرب، ولذلك جعل الله العبد الفائز بأعلى درجةٍ مجهولاً بين عبيده أجمعين وبما أنّهم يعلمون بذلك تجدونهم يتنافسون إلى ربّهم أيّهم أقرب ولكنّكم أشركتم بالله يا من تعتقدون أنّه لا ينبغي لكم أن تنافسوا محمداً رسول الله - صلّى الله عليه وآله وسلّم - وجميع الأنبياء بسبب عقيدتكم الباطل أنّ ذلك لا يحقّ إلا لهم لكون الله اصطفاهم من بينكم، ثمّ يقول المهديّ المنتظَر: يا سبحان الله الواحد القهّار! فهل جعلتموهم أولاد الله ولذلك ليس لكم الحقّ في ذات الله ما لهم، أفلا تتّقوا اللهَ؟ إذاً لماذا خلقكم الله إن كنتم صادقين؟ وللأسف فكما قلنا لكم من قبل أنّ أكثر النّاس لا يؤمنون، وللأسف أجد أن أكثر الذين آمنوا بالله لا يؤمنون إلا وهم به مشركون عباده المقرّبين، وقال الله تعالى: {وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّـهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ﴿١٠٦﴾} صدق الله العظيم [يوسف].
اللهم قد بلغت .. اللهم فاشهد، وما كان للإمام المهدي الحقّ من ربّكم ولا لجميع الأنبياء والمرسَلين أن ننهاكم أن تنافسونا إلى الله، ويا سبحان الله وما ابتعثنا الله بذلك؛ بل ابتعثنا الله أن ندعوكم لتحقيق الهدف من خلقكم فتعبدون الله وحده لا شريك له ليتنافس جميع العبيد إلى الربّ المعبود لا إله غيره ولا معبودَ سواه، فكونوا ربّانيّين واعبدوا الربّ المعبود، ونافسوا عبيده جميعاً في حُبّه وقربه إن كنتم إيّاه تعبدون، وقال الله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيَهُ اللَّـهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِّي مِن دُونِ اللَّـهِ وَلَـٰكِن كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنتُمْ تَدْرُسُونَ ﴿٧٩﴾} صدق الله العظيم [آل عمران].
اللهم قد بلغت اللهم فاشهد، اللهم قد بلغت اللهم فاشهد، اللهم فمن بلّغ عنّي العالمين فاجعله من الآمنين وثبِّته على الصراط المستقيم ليكون من الموقنين الربّانيين الذين لا يشركون بالله شيئاً.
وسلامٌ على المرسَلين، والحمدُ لله ربِّ العالمين ..
أخوكم عبد النّعيم الأعظم الإمام المهديّ ناصر محمد اليماني .
_________________